هنا في المغرب، يقول مثل شعبي من التراث المغربي " الشبكة كتعوج في الغربال" ومعناه، أن اثنين فاشلين يتضادان مع بعضهما البعض، والحال أن الكاتب مصري، قد أسقط هذا التراث الشعبي المغربي على بلدين جد " مفلسين" اقتصاديا ويُعانيان أمراض تنموية فتاكة، بينما جربى تفضيل بلد أخر عن الأخر، وهم في الواقع لا يختلفان !
السيد "سليمان جودة" وهو صحفي مصري، كتب مقالة، اطلعت عليها مصادفة على جريدة "المصري اليوم" عنوانها " الدرهم المغربي والجنيه"، عاتب الكاتب بلاده الأم مصر، واستشهد بعبقرية "حكومة المغرب" إزاء قرار تعويم الدرهم وقرار تعويم الجنيه المصري، وتحدث الكاتب المصري عن "شطارة" المغرب في الحصول على قرض من البنك الدولي عبر ثلاث دفعات، بينما حصلت مصر على دفعتين، وهي التي عومت بشكل نهائي الجنيه المصري، بينما مدد المغرب موعد الإعلان عن "التعويم".
قال سليمان، وهو جد غاضب من حكومته، إن حكومةالمغربكانتأنصحمن المصرينبكثير،وهيتفاوضعلىقرضحصلتمنهعلىشريحتين.. والثالثةفيالطريق" ومضى الكاتب في الحديث عن القرض وامتيازاته على المغرب التي قال إنها قد تسمح له بتقوية درهمه المغربي، بينما وقعت مصر في "المصيدة".
لقد عالج الكاتب المصري، موضوع القروض وتعويم الدرهم والجنيه المصري من الزاوية الغير الصحيحة نهائيَا وتكون نظرية الكاتب إزاء الموضوع شيء خطير من شأنه أن يبث صورة "عمياء" عن الواقع " الميؤوس منه" تجاه الديون وخدمة الاقتراض، فعلى مد الزمن، لم تكن يوما القروض من الأمور الحسنة التي تمضي فيها الدول النامية، بقدر ما كنت هي أداة استعمار حديثة وجديدة.
إن المغرب ومصر وعددَا من البلدان التي تُصنف ضمن دول العالم الثالث، ترزح جميعها تحت عبء مديونية مفتأت تتفاقم، وإذا أخذنا المغرب كنموذج الذي بات اليوم محسود عليه في صورة أقرب إلى المشاهد السيريالة للرسام سلفادور دالي، فسوف نجده ذلك البلد الذي بلغت حجم الديونه العمومية الإجمالية (الداخلية والخارجية) مع نهاية 2013 حوالي 679 مليار درهم، أي ما يعادل حوالي 78% من الناتج الداخلي الخام، منها 235 مليار درهم كديون عمومية خارجية، و 444 مليار درهم كديون عمومية داخلية، وخلال 2016 بلغت 64.7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
وهو ما يعادل أكثر من ثلاث أضعاف ميزانية التعليم لسنة 2013، وحوالي 13 مرات ميزانية الصحة، وحوالي ثلاث أضعاف ميزانية الاستثمارات العمومية.
بين المغرب ومصر وتونس انبثقت حركات يسارية تُناهض " المديونية" وتطالب بالغاءها، ففي المغرب، ترسم جمعية أطاك صورة قاتمة عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية وتصفها أحيانا بـ" الكارثية" التي ستؤدي إلى توسيع هفوة الفقر والبطالة وتضرب مجانية الخدمات العمومية كالصحة والتعليم والماء والكهرباء وعددا من القطاعات الحيوية.
والمغرب سدد بين 1983 و 2011 إلى الخارج ما يفوق 115 مليار دولار، أي ما يعادل 8 مرات دينه الأصلي، ومازالت بذمته حوالي 23 مليار دولار إلى حدود 2011، ومن الواضح أن المعدل تضخم في حدود 2017 إذ أن المغرب استأدن عشرات المرات في الخمس سنوات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، تذهب الدول النامية كالمغرب ومصر، إلى استراتيجية جديدة لتمويل الخزينة العامة تعتمد على الرجوع إلى التمويل الخارجي دائما، حيثلجأ المغربإلى بيع سندات بالسوق المالي الدولي في سنة 2010 بقيمة 1 مليار يورو، و1,5 مليار دولار في دجنبر 2012، و 750 مليون دولار في ماي 2013، و 1 مليار يورو في يونيو 2014. وفي غشت 2014، حصل المغرب على قرض ائتماني احترازي جديد قيمته 5 مليار دولار (حوالي 43 مليار درهم) على مدى عامين قد يستعمل لتغطية عجز حساب المعاملات الجارية لميزان الآداءات بشكل استعجالي، وذهبت ايضا في هذا الإطار قطاعات عمومية كمكتب السكك الحديدية الذي قرر بيع سندات بقيمة 4 مليون أورو لتمويل قطار الفائق للسرعة " تي جي في".
إن ما يجب أن يعرفه السيد سليمان، أن الديون، تثقل ميزانية الدولة، وتعوق الاستثمار، وتؤدي إلى تقليص الميزانيات الاجتماعية بشكل حاد، وتعمق برامج التقويم الهيكلي، وتفرض إجراءات تقشفية توسع البطالة والفقر، وترهن سيادتنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وغذائيا وبيئيا.
فدولنا النامية بسبب هذه الديون لن ولم تنتج تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو بشرية على مدى العقود،لا بد من دعم أولئك الذين يدعون إلى الخروج من هذه الحلقة المفرغة للمديونية. وهذا ما يتطلب اجراء تدقيق شامل لمجموع الديون العمومية في الدول النامية (الداخلية والخارجية)، حيث أن الخيارات الاستراتيجية ببلداننا تمليها المؤسسات المالية الدولية، وتصادق عليهابرلمانات لا يعكس الإرادة الشعبية حقيقة، وتنفذها حكومات شكلية كالتي في المغرب.